اللهم صل على محمد وآل محمد وعجل فرجهم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
تحول الملايين إلى مذهب التشّيع سببها الطلاق بالثلاث(سبعة أجزاء)
الجزء الأول
لم يخطر على بال سلطان كان يحكم قبل نحو خمسمئة وخمسين عاما قطاعا واسعا من البلاد الإسلامية في الشرق أن مشادة كلامية بينه وبين زوجته يمكن أن تؤدي إلى تغيير جذري في عقيدته وعقيدة الشعوب التي يحكمها!
كان السلطان غياث الدين محمد بن أرغون(الملقب بشاه بنده) حاكما على العراق وإيران وأذربيجان وأقطار عدّة من الشرق الإسلامي، وكان سني العقيدة، على ما عليه العامة. إلا أن توترا في علاقته الزوجية مع امرأته أفضى إلى تحوله إلى مذهب أهل البيت عليهم الصلاة والسلام، وهو ما أدى في وقت لاحق إلى اعتناق ملايين من شعوب إيران والعراق والبلاد التي كان يحكمها عقيدة التشيع.
فذات ليلة؛ وقعت ملاسنة شديدة بين السلطان و زوجته إثر خلاف مستحكم على شيء ما، الأمرالذي دفع السلطان في غمرة غضبه إلى أن يصرخ بوجه شريكة حياته قائلا: (أنت طالق ثلاثا)!
ومن طبيعة الحال أن الزوجة المسكينة انهمرت بالبكاء، فيما حافظ السلطان على كبريائه في البداية، لكنه سرعان ما ندم وأحس بخطئه وأراد إرجاع زوجته إليه. غير أنه - حسب الفقه السني - قد طلق امرأته طلاقا بائنا، لأن صيغة (أنت طالق ثلاثا) تحتسب بناء على ذلك الفقه ثلاث طلقات. ومما كان من السلطان غياث الدين إلا أن يستشير كبار فقهاء مملكته الواسعة، من علماء المذاهب الأربعة علّه يجد حلا لمعضلته.
جمع السلطان الفقهاء إلى مجلسه، وعرض عليهم أمره طالبا الحلول، فأجاب الفقهاء بأنه لا يمكن له الرجوع إلى زوجته إلا إذا تزوجت رجلا آخر ودخل بها ثم يطلقها ليتزوجها السلطان من جديد. وهو ما يعرف بآلية (المحلل). لكن السلطان لم يستطع القبول بهذا الحل، لأنه يأبى أن يطلع على زوجته رجل آخر سواه، فكيف والمطلوب أن يدخل بها أيضا؟!
وجّه السلطان حديثه لفقهاء المذاهب الأربعة في الدولة بعصبية قائلا): إنكم في كل مسألة تختلفون في ما بينكم، ولكم في كل شيء أقاويل وفتاوى مختلفة، أفلا عند بعضكم حل آخر سوى هذا الحل)؟
وأجاب الفقهاء جميعا: (لا.. فمذاهبنا كلها متفقة على عدم جواز نكاح المطلقة طلاقا بائنا إلا بعد أن ينكحها رجل آخر ).ورد السلطان باستهجان: (ولم تجدوا اتفاقا بينكم إلا في هذه المسألة حتى أحرم أنا من زوجتي)
يتبع
الجزء الثاني
وبينما كان السلطان متوتراً مما سمعه ، بل متوقداً من المأزق الذي وقع فيه ، إستأذن أحد وزرائه للحديث وقال : (مولاي .. بلغني أن هناك عالما بالحلة يقول ببطلان هذا الطلاق، فما الرأي عندكم أن نستحضره لنرى ما يقول) ؟ وأجاب السلطان بلا أي تردد : (ابعثوا إليه.. أريده في الحال).
وتفاجأ فقهاء المذاهب الأربعة بما قاله الوزير ، فسألوه عن ذلك العالم القاطن في مدينة الحلة في العراق ، فأخبرهم بأنه رجل يقال له أبو الحسن بن يوسف بن علي بن المطهر ، الملقب بالعلامة الحلي . وما إن سمع الفقهاء اسمه ؛ حتى انتفخت أوداجهم وخاطبوا السلطان غياث الدين بالقول ) :يا مولانا الملك.. إن لهذا الرجل مذهبا باطلا ، هو مذهب الروافض ، ولا عقل للروافض ، ولا يليق بالملك أن يبعث إلى طلب رجل خفيف العقل( !والتفت إليهم السلطان قائلا) :لن يضرنا أن نسمع منه ، وسأجمعه بكم عندي ، فإن تبيّن لي أن حجتكم أقوى في الرد عليه فلن أستمع إلى مقالته ، وإلا فالعكس).
وأمرالملك بإنفاذ رسوله إلى العلامة الحلي، طالبا منه القدوم لغرض مناقشة فقهاء المذاهب الأربعة في مسألة الطلاق . وقبل العلامة الدعوة ، وإنطلق مع الرسول إلى مقر السلطنة. وعندما وصل ؛ إستقبله السلطان بترحاب وأكرم ضيافته، إذ كان يرجو أن يكون حل مشكلته العويصة عنده . وحدد السلطان الموعد للقاء العلامة بفقهاء المذاهب الأربعة في الجلسة المرتقبة التي تحولت إلى مناظرة واسعة في أحقية المذهبين الإمامي والسني .
وعند ما حان الموعد ؛ جلس السلطان منتظرا قدوم المدعويين ، من فقهاء وكبار الوزراء وشخصيات عُليا ، فحضر الجميع مبكرا ، بيد أن العلامة الحلي أخّّر نفسه عن الحضور عمدا .وعند ما وصل العلامة إلىالمجلس الملكي الكبير ؛ فوجئ الجميع بأنه لم يترك نعليه عند الباب بل خلعهما وأخذهما بيده ودخل المجلس ثم ألقى السلام والتحية وجلس إلى جوار الملك ! وكان هذا التصرف الغريب مثار انزعاج الملك ووزرائه والحاضرين ، وانتهز الفقهاء الفرصة ووجهوا كلامهم إلى الملك قائلين : (ألم نقل إن الروافض لا عقل لهم ! أرايت يا مولانا السلطان ما فعل هذا الرجل) ؟!
إمتعض السلطان من تصرف العلامة ، لكنه كتم إمتعاضه في نفسه ، إلى أن بادر الوزراء وحاولوا توبيخ العلامة بالقول : (لم لم تنحني للسلطان وتركت الآداب) ؟ فأجاب العلامة ) :إن رسول الله وسلم كان ملكا ولم يفعل له مثل ما تفعلون أنتم لملككم ، وليس من واجب علي إلا السلام لقوله تعالى : فإذا دخلتم بيوتا فسلموا على أنفسكم تحية من عند الله مباركة).
يتبع
الجزء الثالث
بعد ما أخذ العلامة نعليه معه وجلس عند السلطان
قالوا له: (وكيف سمحت لنفسك بالجلوس عند السلطان)؟ فأجاب العلامة: (لم يكن مكان غيره).
فقالوا لهولأى شيء أخذت نعليك معك، وهذا مما لا يليق بعاقل، بل بإنسان)؟! فأجاب العلامة: (خفت أن يسرقه فقهاء الحنفية الموجودون في هذا المجلس كما سرق أبو حنيفة نعل رسول الله)!! فصاح فقهاء الحنفية بنبرة حادة: (حاشا وكلا!! ما تقول يا فاقد العقل؟! متى كان أبو حنيفة في زمان رسول الله؟! بل كان تولده بعد مئة عام من وفاته)!
فاستدرك العلامة الحلي بالقول: (نسيت.. لعلّه كان السارق الشافعي(! فإستشاط فقهاء الشافعية غضبا وصرخوا: (سبحان الله.. ماذا يقول هذا الكذاب! إن الشافعي لم يولد إلا بعد مئتي سنة من وفاة رسول الله)!
فإستدرك العلامة الحلي ثانية وقال: (فلعلّه كان مالك)! فقفز علماء المالكية وصاحوا: (ماهذا الإفتراء؟! فمالك لم تلده أمه إلا بعد رسول الله بقرن ونيف)!
فإستدرك العلامة الحلي ثالثة وقال ) :فلعلّه كان احمد إذن)! فهاج علماء الحنبلية وقالوا: (أي زور هذا؟! فشتّان ما بين عصر رسول الله وعصر أحمد بن حنب)!
وبعد ما إنقلب المجلس إلى هرج ومرج، التفت العلامة إلى الملك قائلا: (أيها السلطان.. قد علمت أن رؤساء المذاهب الأربعة لم يكن أحدهم في زمن رسول الله وسلم، وهذا من بدعهم أنهم اختاروا من مجتهديهم هؤلاء الأربعة فقط وحصروا الاتباع بهم ولم يجوزوا الاتباع بغيرهم، مع أنهم ما كانوا على عهد رسول الله أو على عهد صحابته. أما نحن الشيعة فنتبع أمير المؤمنين نفس رسول الله وسلم وأخيه وإبن عمه ووصيه، وهو رئيس مذهبنا. أترى بعد ذلك من حجة لهم علينا)؟!إندهش السلطان من كلام العلامة، وسقط فقهاء المذاهب الأربعة من عينه، إذ لم يتمكنوا من دحض هذه الحجة التي ابرع العلامة الحلي في صياغتها بذكاء.
وبعد ذلك طلب السلطان من العلامة الحل لمشكلة طلاقه زوجته، فقال العلامة: (أيها الملك.. إن طلاقك هذا باطل، لأن من شروط الطلاق حضور شاهدين عادلين، ولم يكن هذا منك. كما أن طلاق الثلاث في آن واحد هو بدعة أيضا، وذلك لقوله تعالى: (الطلاق مرتان فإمساك بمعروف أو تسريح بإحسان) إلى قوله تعالى: (فإن طلقها فلا تحل له من بعد حتى تنكح زوجا غيره). والآية صريحة في أن الطلاق مرتان مرة بعد مرة مع تخلل الرجعة بينهما، لا لفظتان أو ثلاث، ولا تشمل الآية قول القائل لزوجته أنت طالق ثلاثا وإلا كان قوله هذا لا معنى له إطلاقا بعد قوله تعالى: الطلاق) إلا إذا تكرر الطلاق منه مرتين قد تخلل بينهما رجعة).
وكشف العلامة الحلي للسلطان غياث الدين أن (الخليفة الثاني) هو الذي أحدث هذه البدعة في الدين، أي طلاق الثلاث، وذلك حسب ما ورد في صحاح أهل السنة، إذ ورد في صحيح مسلم في باب طلاق الثلاث ص 477 عن ابن عباس أنه قال: (كان الطلاق على عهد رسول الله وسلم وعهد أبي بكر وسنتين من خلافة عمر طلاق الثلاث واحدة، فقال عمر بن الخطاب: إن الناس قد استعجلوا في أمر قد كان لهم في أناة فلو أمضيناه عليهم. فأمضاه عليهم)!! (أنظر أيضا صحيح مسلم ص 478 ومسند أحمد بن حنبل ص 314).
وانفرجت أسارير السلطان عند ما تيقن بأن زوجته ما زالت في عصمته، بعد ما علم بأن الذي ابتدع حكم اعتبار لفظة (أنت طالق ثلاثا) بمثابة الطلقات الثلاث التي تخللها رجوع إنما هو عمر بن الخطاب بعد ما راق له ذلك، كما راق له ابتداع صلاة التراويح والتكفير في الصلاة (التكتف) وإلحاق عبارة (الصلاة خير من النوم) في الأذان وتحريم متعة الحج ومتعة النساء وغيرهما من الأحكام والسنن!!!
يتبع
الجزء الرابع
أعجب السلطان بفقه العلامة الحلي الذي أفحم به فقهاء بقية المذاهب، ودعاه إلى أن يستكمل حديثه عن عقيدة أهل البيت عليهم الصلاة والسلام ويناظر العلماء. وهكذا كان في جلسات وجلسات، حيث جر الكلام الكلام، وكالعادة فإن الصولة والجولة كانت لفقيه الإمامية، الأمرالذي دفع السلطان غياث الدين أخيرا إلى أن يقرر ترك مذهبه السني والتزام مذهب خير البرية.
وأعلن السلطان أن الدين الرسمي لمملكته أصبح دين أهل البيت صلوات الله وسلامه عليهم، وأصدر أوامره بالدعوة لولاية الأئمة الاثني عشر عليهم الصلاة والسلام على المنابر، وضرب العملات بأسمائهم ونقشها على المباني والمساجد والمشاهد والأضرحة المقدسة. وبإعتباره أضحى شيعيا، فإن الملك سمح للعلماء والناشطين الشيعة بالتحرك في مملكته، بعد ما كانوا يعانون من الحجر والتضييق،
فنشروا بين الناس علوم أهل البيت وفضائلهم ومناقبهم، وروجوا خطبهم وذكروا سيرهم وتعاليمهم ووصاياهم، ودافعوا عن ظلاماتهم وفضحوا أعداءهم من الأولين والآخرين، وأثمر ذلك كله عن تشيع غالبية شعب المملكة وإتباعهم مذهب آل محمد صلوات الله عليهم أجمعين بعد ما كانت الغالبية للطائفة البكرية التي تعتقد بخلافة أبي بكر بن أبي قحافة، وهي التي يطلق عليها اليوم (أهل السنة والجماعة). لذا فإن غالبية شعوب إيران والعراق اللتان كانتا تقعان داخل نطاق المملكة هم من الشيعة حاليا، بينما كانت الغالبية للبكرية سابقا.
وترجع أصول وأحكام الطائفة البكرية إلى حزمة من التخبطات الموروثة من العقلين المدبرين لأول إنقلاب في الإسلام؛ وهما معروفان. وجاءت الحكومات الأموية والعباسية وغيرها لتبني على أساس هذه التخبطات مجموعة مفاهيم روجّت لها بهدف ضمان بقاءهيمنتهاعلى الأمة،
ومن هذه المفاهيم مفهوم (الطاعة العمياء لأولي الأمر من الحكام) بدلاً من (طاعة أولي الأمر الشرعيين المنصوص عليهم في القرآن)؛ ومفهوم (كتاب الله وسنتي) بدلا من (كتاب الله وعترتي أهل بيتي)، ومفهوم (عدالةالصحابة) بدلا من (عصمة الأئمة)' ومفهوم (الصلاة خلف كل بروفاجر) بدلا من (الصلاة خلف العادل)، وغير ذلك من مفاهيم وأفكار خلقتها السلطات لتبديد أي تأثير من قبل سلالة الرسول المصطفى على الأمة، حيث كانت هذه السلالة الطاهرة التي تمثل السلطة الإلهية الشرعية مصدر قلق لتلك السلطات والأنظمة الحاكمة مخافة أن تسحب البساط منها.
وأحدثت هذه الوضعية فجوة كبيرة في العقائد والأصول والمفاهيم الإسلامية نظرا لسيادة قانون إلغاء الركن المعادل للقرآن، وهم أهل البيت عليهم الصلاة والسلام، بما في ذلك تعاليمهم وأحكامهم وتراثهم وفتاواهم التي كان محظورا موافقتها أو العمل بها. واضطر فقهاء الأنظمة الحاكمة إلى سد تلك الفجوة عبر الاستناد إلى التخبطات الموروثة من مدبري الإنقلاب الأول مع مراجعة الأنظمة الحاكمة في الفتاوى التي ينبغي إصدارها بناء على هذا الأساس.
وبذلك صيغ فقه الطائفة البكرية التي تحولت إلى مذاهب أربعة، هي المذهب الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي. ولم يكن ثمة مسمى يجمع هذه المذاهب في بداية تكونها، غير أنه جرى التسالم على مصلطح (أهل السنة) فيما بعد نتيجة حث دؤوب من قبل الحنابلة خصوصا، والحقت كلمة (الجماعة) ليغدو المصطلح (أهل السنة والجماعة) في مرحلة لاحقة. وتعود كلمة (الجماعة) إلى اليوم الذي انتزع فيه معاوية بن أبي سفيان لعنهما الله الخلافة من السبط الأكبر الإمام الحسن المجتبى صلوات الله وسلامه عليه، وبدعوى أن الأمة الإسلامية قد (أجمعت) على خلافته أطلق معاوية على ذلك العام (عام الجماعة).
ونظرا لغياب التلقي السليم عن رسول الله وسلم، وتقديم تخبطات منفذي الانقلاب على كل قول أو فعل أو تقرير من قبل الرسول نكاية بأهل بيته، نشأت كمية هائلة من الأحكام والفتاوى الغريبة المضحكة التي لا يمكن لعاقل أن يقبل بها، ومع ذلك فإن فقهاء المذاهب الأربعة البكرية حاليا ما زالوا يؤمنون بها ويقرون بصحتها.
يتبع اكتفي بخمسة أجزاء فقط
ولكم تحياتي
__._,_.___